الحب من أول نظرة.. حقيقة أم خداع للنفس؟
«العين» هي السبب فيه
الحب من النظرة الأولى غالباً ما يحدث لدى المراهقين بحثا عن الحب وعن أي تجربة عاطفية بحكم تغير نسب الهورمونات في الجسم
الشائع أننا نسير في دروب الحياة وطرقها لا نعلم متى وكيف ومن نحب. البعض يحب بعقله، وآخرون يحبون بقلوبهم، وفريق ثالث تقودهم النظرة الاولى للحبيب. وهي حالة لا يهم فيها الإجابة عن التساؤلات المعتادة التي تتردد في نفوسنا عندما نقع في الحب، لأنها ببساطة حالة استثنائية. وقديماً قال الشاعر العربي "ملكت فؤادي عند أول نظرة، كما صاد عذريا أغن ربيب"، تلك الكلمات وغيرها مما حوته أبيات الشعر العربي، عبرت عن الحب من النظرة الأولى وقدرته على امتلاك القلوب من أول لحظة دون تحكم أو سيطرة من المحب الذي يقع صريعها. البعض فسر حالة العشق من النظرة الأولى لدى العرب الذين امتلأت أشعارهم بوصفه وتحليل جمال نظرات الحبيب، بالمناخ العام الذي كان يعيش فيه هؤلاء، صحراء شاسعة الاتساع، نجوم تملأ السماء، وهدوء لن تجد له مثيلاً، وهو ما يحدو بالشعراء الى الوقوع في الحب حتى من قبل النظرة الأولى، ولكن العلم الحديث كان له رأي آخر في مسألة الحب من أول نظرة. فقد أكد فريق من الباحثين في جامعة فلوريدا الأمريكية أن هناك أشخاصاً يتمتعون بجاذبية الوجوه والأشكال، يسحرون ويشدون أنظار الناس إليهم، بغض النظر عن المقومات التي تمنحهم تلك الجاذبية والسحر النفاذ إلى عيون وقلوب الآخرين، والتي تشبه إلى حد كبير قوة المغناطيس في جذب الأشياء إليه. وأشار الباحثون إلى أن الإعجاب بشخص ما لا يشترط الانجذاب لكل صفاته، فقد تلتقي شخصاً فتعجب بمظهره، أو نظرة عينيه، أو طريقته في الابتسام، أو الكلام، أو حتى بلون عينيه. الدراسة التي أجراها الدكتور "جون مينر" وتم نشرها في مجلة "جورنال أوف بيرسونالتي أند سوشيال سايكولوجي"، أكدت أن حب النظرة الأولى يتم على المستوى البصري وهو ما أكدته الاختبارات التي أجريت على عدد من الرجال والنساء الذين انجذبوا بأبصارهم نحو شخصيات تتمتع بالجاذبية خلال أول ونصف ثانية من رؤيتهم لهم. "لم أكن من المصدقين للحب بوجه عام، وكثيراً ما سخرت من مشاعر بعض المقربين لي وبخاصة من أحب منهم من النظرة الأولى، حتى كان يوم التقيت بأحد المتعاملين مع شركتنا، كانت المرة الأولى التي أراه فيها الا انني بمجرد نظرته لي أحسست بشيء يجذبني الى مواصلة النظر إليه. لا أعرف تحديداً دوافع الانجذاب ولكنها قد تكون ابتسامته وبعض الشعيرات البيضاء التي خطت طريقها بين شعر رأسه. ووجدتني أتلهف للقائه مرة أخرى وأتذرع بحجج العمل التي تسمح لي بالاتصال به على الهاتف لسماع صوته بين الحين والآخر، حتى فوجئت به في احد الايام يطلب يدي للزواج، وبالطبع وافقت بلا تردد ولم أندم على الاختيار". تلك كانت قصة إحدى الزوجات التي عرفت طريق السعادة من النظرة الأولى، وهي قصة تطرح في ذاتها العديد من الأسئلة من بينها، هل يشعر الطرف الآخر الذي انجذبنا له بهذا الإعجاب الذي بات يسيطر علينا تجاهه؟ وهل تصدق مشاعرنا دائماً من مجرد النظرة الأولى؟ وهل يستطيع ذلك الحب المأخوذ بسحر العينين الصمود في وجه تقلبات الحياة إذا ما تم الزواج بين الطرفين؟
الدكتور يحيى الرخاوي أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة يرى أن ما يعتقد البعض أنه حب من مجرد النظرة الاولى، غالباً ما يكون مجرد إعجاب ظاهري لا يرقى إلى مرتبة الحب. فهو نوع من خداع النفس الناتج عن الرغبة في الوقوع في الحب بالإضافة إلى المميزات التي يمتلكها الطرف الآخر كالوسامة أو التأنق. تماماً كظاهرة السراب في الصحراء فهي مجرد عملية خداع بصري يشعر به الظمآن. ويضيف دكتور الرخاوي: "على الرغم من اعتقادي في وهم الحب من النظرة الأولى، إلا أنه لكل قاعدة استثناءاتها، وأؤكد أنها مجرد استثناء لا يمكن التعويل عليه في نجاح الحياة الزوجية فيما بعد، لأن الزواج الناجح لابد ان يقوم على الحب الناضج الذي يدعم فيه كل طرف الطرف الآخر ويتقبل عيوبه وميزاته كما هي، ويعرف كيفية التأقلم والتعايش معها. أما ما يسمى بالحب من النظرة الأولى، فإنه غالباً ما يحدث لدى المراهقين وهو سن البحث عن الحب وممارسة أي تجربة عاطفية بحكم تغير نسب الهورمونات في الجسم، وما يرافقها من تطلع إلى المرور بمثل تلك التجربة. ولهذا فغالباً ما يشعر الفتى أو الفتاة في تلك السن بالصدمة التي قد تغير مجرى حياته عند فشل التجربة. أما فيما يتعلق بإمكانية شعور الطرف المسبب لحالة الحب تلك، بمشاعر من أمامه، فهو أمر مرهون بكيمياء المشاعر بين الطرفين". "من الممكن لعلاقات الحب من النظرة الأولى أن تدوم فقط في حالة إذا ما أدرك الطرفان ضرورة تحويل هذا الإعجاب الفوري إلى علاقة جادة ذات أبعاد حقيقية" هكذا بدأت الحديث دكتورة سمية إبراهيم أستاذ الطب النفسي بجامعة بنها، وأضافت: القلوب بين يدي الرحمن يقلبها كيفما شاء ومن الممكن أن يرتبط شخصان بالحب من النظرة الأولى ولكنه يظل إعجاباً ظاهرياً، أما إذا أرادا تتويج العلاقة بالزواج فهذا أمر مختلف يتطلب تعرف كل طرف بالآخر بشكل أكثر عمقاً ومعرفة طباعه وطريقة تفكيره وكافة التفاصيل المتعلقة به وبحياته ليعرف ما إذا كان سيستطيع كل منهما إكمال الحياة مع الطرف الآخر أم لا. الكارثة التي تحدث دائماً في حالات الحب عموماً وفي هذا النوع تحديداً، أن العاطفة تتحكم في تفكير الطرفين فلا يمنحان أنفسهما الفرصة لاختبار تلك المشاعر.