الثبات بعد رمضان

ثلاثين يوماً من العبادة والخشوع والقنوت لله العلي الكريم انقضت وكأنها لم تكن، شهر كامل من المغفرة والرحمة غادر معلناً الفراق عاماً كاملاً ليعود مجدداً بمزيد من الشوق والحنين، يبيض الصحائف ويعتق الرقاب ويضاعف الحسنات لمن شاء من عباد الله..

رحل رمضان تاركاً في النفوس لوعة وفي القلوب حرقة تتراوح بين خوف ورجاء.. خوف من التقصير وعدم تقبل الطاعة.. ورجاء بقبولها بقبول حسن والمعاهدة على زيادتها وإتقانها على مدى الأيام ليس في رمضان فقط، ولكن قد يفلح البعض ويخفق البعض الآخر وفقاً لثوابت الإيمان في القلوب فترى البعض بعد رمضان يعرض عن النوافل وحتى الفرائض ومنهم من يتذبذب بينهما ومنهم من ينشغل بالدعاء للثبات على ما أحدثه من تغيرات على نفسه وطاعاته في شهر الخير والبركات فيجاهد النفس للثبات صلاةً وقياماً وتلاوةً لورد من القرآن الكريم في اليوم والليلة..

"آسية" في التقرير التالي يعرض لقصص أناس أصرت على الثبات وآخرين حل رمضان على قلوبهم ضيفاً ثقيلاً فما إن انقضت أيامه حتى عادوا إلى حالهم من بعد عن الله بتجاهل النوافل وأحياناً ترك الفرائض والانجرار وراء ملذات الدنيا وهفواتها الزائلة، تابع معنا..

يؤكد الدعاة على أن ثبات المؤمن على الطاعات والعبادات بعد رمضان يتوقف على خطوات خمس، بدايتها عدم العودة إلى المعاصي والذنوب التي اقترفها قبل رمضان وتاب عنها فيه منشغلاً بالصلاة والصيام والقيام والتضرع والدعاء، ثم الحذر من الشيطان والثبات على أداء الطاعات التي كنت عليها في رمضان ما يجبر الشيطان على تغيير خطته نتيجة تغيرك للأحسن ومن ثم المحافظة على الهمة والعزيمة عالية للاستمرار بالصلاة والابتهال والدعاء وقراءة القرآن وذكر الله كثيراً أناء الليل وأطراف النهار ومرافقة الصحبة الصالحة، ثم الاستغفار وتحقق تقوى القلوب وتثبيت الطاعة بصيام ستة من شوال لتستمر على فعل الخيرات، وأخيراً أن تكون نهاية شهر رمضان بداية لبرنامج إيماني يزيد تعلقك بالله كما تعلقت به في الشهر الكريم على مدار أيامه ولياليه فتستمر على ذات النهج من الأخلاق الحميدة من مسامحة وعفو وصفح عند المقدرة وإيثار الغير على نفسك وإصلاح ذات البين.

رمضان طول العام

حدد الله تعالى رمضان في شهر بثلاثين يوما أو أقل بواحد يأتي بعد شهر شعبان من كل عام، فيه الطاعات تزداد طلباً لمغفرة واسعة من الله والأجور تتضاعف عفواً ورحمة من الله الكريم العظيم ما يدفع المرء يتمنى لو أن كل الشهور رمضان وباستطاعته أن يجعلها إذا ما ثبت على الطاعات والعبادات بعد شهر العفو والمغفرة..

يجتهد أبو محمد في نهاية الأربعينيات من العمر في أن يجعل عامه كله رمضان ليبقى قريباً من الله تعالى إذا ما دعاه بإخلاص استجاب له وأقر عينه، أبو محمد الذي تحلى بكثير من الجرأة في حديثه إلينا أكد أنه على مدار سنوات عمره حتى قبل عشر سنوات لم يكن يواظب على الطاعات بعد رمضان، بل كثيراً ما تجاهلها بإيعاز من الشيطان الرجيم لكنه غير من نفسه وأصر على الثبات على الطاعات بعد رمضان ليس لشهر أو شهرين بل إن شاء الله للعمر الآتي عساه أن يكفر عما اقترف من ذنوب في سنوات عمره الماضية، يقول الرجل "كنت في شهر الصيام أقوم الليل وأجتهد في أداء الصلوات الخمسة جماعة في المسجد وأحرص على قراءة القرآن وأصل الأرحام وأتصدق، لكن إذا ما انتهى الشهر انتهت الأعمال الصالحة وغابت لعام كامل حتى رمضان القادم" الآن بفضل الله يشعر بأن كل أشهر السنة رمضان يؤدي الصلاة في وقتها ويحرص على أن تكون جماعة وله ورد قرآني يومياً إذا لم يتلوه لا يغفل لي جفن كما يقول ويحرص على مساعدة الآخرين بقدر ما يستطيع، ويحافظ على صيام النوافل، وكل ذلك يجعل قلبه نابضاً بالإيمان من نزغات الشيطان فإذا ما راودته إحداها ينصرف إلى ذكر الله والتضرع له بالدعاء أن ينجيه وثبته لافتاً أن الاستعانة بالله والنية الخالصة أولى خطوات ثبات الإيمان في القلوب.

محددات الثبات على الطاعات

ليس الصالح من يجتهد ويتعبد في شهر رمضان فقط بل من يجتهد طوال السنة ولنأخذ في ذلك قدوة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك العبادة ولا خص بها يوماً أو شهراً دون الآخر إذ كان عمله واجتهاده وعبادته ديمة كما قالت عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عما إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام؟ فقالت: لا كان عمله ديمة، وقال الله سبحانه وتعالى في الآية 99 من سورة الحجر {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} فالعبادة ليس قاصرة على شهر أو يوم دون الآخر وإنما أبد الدهر.

ويحدد د. بسام العف عوامل الثبات على الطاعات في مقال له، بأربعة محددات أولها طلب العون من الله على الاستمرار في العبادة وتأدية الطاعات بذات الفعالية والإخلاص والإتقان التي كان عليها في شهر رمضان، ومن ثمَّ الاعتدال في الطاعة من غير إفراط ولا تفريط لقوله صلى الله عليه وسلم "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة"، ثمَّ يأتي التدرج في الطاعات فيبدأ المسلم بالأحب والأيسر عليه ثم يرتقي بنفسه إلى الأعمال الصالحة بالالتفاف حول القرآن والمحافظة على تلاوته ولو صفحة في اليوم وقيام الليل بركعتين في البداية لثبت قلبه على الإيمان وتلقائياً يزيد عدد الركعات إذ يسعد قلبه ويثلج صدره بالوقوف بين يدي الله يدعوه ويرجوه، ويستمر على خطى الثبات بمرافقة الصالحين الذين يقربوه إلى الله زلفى فإذا ما رآهم ينهمكون في طاعة الله بينما هو مقصر تنشط عزيمته ويقوى دافعة للمداومة على الثبات في أداء الطاعات والعبادات المفروضة والنافلة.

[b]

» …ـண…▓…ذكرياتك مع رمضان …▓…ணـ…
» خصائص شهر رمضان المبارك
» اخطاء النساء فى رمضان
» بداية العشر الاواخر من رمضان ..
» من قلبى وفى رمضان بهديلك احلى كلام